بداية التعافي الاقتصادي في الأردن

بداية التعافي الاقتصادي في الأردن

16 مايو 2024
محافظ البنك المركزي الأردني عادل شركس، 25 يوليو 2023 (فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- وزير المالية الأردني ومحافظ البنك المركزي أعلنا عن تحسن تقييم الأردن الائتماني إلى B3a لأول مرة منذ 21 عاماً، مما يعكس قدرة الأردن على التعامل مع تحديات مثل الربيع العربي وجائحة كورونا.
- التحسن في التقييم الائتماني يأتي رغم زيادة العجز والديون، ويعد خطوة إيجابية نحو تقليل كلفة الاقتراض ويعزز الثقة في الاقتصاد الأردني، مما ينعكس إيجابياً على الأفراد والأسر.
- محافظ البنك المركزي أشار إلى استقرار الجهاز المصرفي مع زيادة الاحتياطي من العملات الأجنبية والودائع بالدولار، مؤكداً على أهمية الاستقرار التشريعي ومكافحة الفساد لتشجيع الاستثمار وتحقيق التنمية المستدامة.

خرج كل من وزير المالية الأردني د. محمد العسعس ومحافظ البنك المركزي د. عادل شركس على الجمهور الأردني بمؤتمر صحافي عقداه قبل أيام، يعلنان فيه عن سعادتهما برفع تقييم الأردن من قبل وكالة فيتش العالمية للتصنيف الائتماني إلى B3a بعدما كان B، وهذا الرفع في التقييم يحصل لأول مرة منذ 21 عاماً.

وقد ركز المسؤولان على عدد من النقاط أهمها أن الأردن الذي واجه تحديات إقليمية ودولية كثيرة منذ العام 2003 حتى الآن مثل الربيع العربي، ولجوء ثلاثة ملايين لاجئ إليه من الدول العربية المجاورة، وجائحة كورونا، وحرب أوكرانيا، وأخيراً الحرب على غزة والضفة الغربية قد تمكن من استيعاب كل إسقاطات هذه الحوادث الكبرى على اقتصاده، وأظهر الأردن مرونة واستجابة مكنتاه من إثبات قدرته على التعامل مع التحديات التي تواجهه.

أما الأمر الثاني فهو أن الأردن الذي قلّت المساعدات المقدمة إليه من العرب والأجانب والتي كان من شأنها تغطية النفقات الإضافية التي ترتبت عليه بسبب زيادة سكانه بأعداد كبيرة بالأرقام المطلقة والنسبية، قد عانى من زيادة العجز في الموازنة، ومن نمطيتها بزيادة الضرائب والرسوم محلياً وبالاقتراض من الخارج. وكانت الحصيلة أن زادت قروضه الداخلية والخارجية بمقدار 10 مليارات دولار في السنوات الأربع الأخيرة. وفي العام 2023 بالذات قفز الدين العام من 43.3 مليار دولار آخر شهر ديسمبر/ كانون الأول من العام 2022 إلى 46 مليار دولار في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2023. أي قفز خلال عام 2023 بمقدار يداني 2.7 مليار دولار. ولذلك، فإن تقدم الأردن إلى تقييم أعلى سيمكنه من سد العجز بقروض خارجية وداخلية بكلف أقل.

والأمر الثالث هو تصريح وزير المالية بأن مثل هذا الرفع في الأداء الدولي سيعزز المزيد من الثقة في الاقتصاد الأردني، وسوف ينعكس ايجابياً على الأفراد والأسر الأردنية من حيث تحسن الأوضاع. ويجب التذكير في هذا الإطار بأن عدد سكان الأردن يرتفع بمعدل يفوق 3.2% في السنة لأن الزيادة الطبيعية السنوية في السكان تصل نحو 2.9% سنوياً من ناحية، وبسبب الزيادة في أعداد المهاجرين واللاجئين إلى الأردن بنسبة تقارب 0.3% سنوياً من ناحية أخرى. ولكن هذا لم يقابله في السنوات الثماني الأخيرة سوى زيادة تتراوح بين 2.2% و2.6% في الناتج المحلي الإجمالي. وبعبارة أخرى، فإن معدل دخل الفرد قد تراجع بنسبة تقارب 0.8% سنوياً. وتقول الإحصاءات الدولية الصادرة عن صندوق النقد الدولي إن ترتيب الأردن حسب معدل دخل الفرد بين الدول الأعضاء في الصندوق قد تراجع من المرتبة 89 عام 2019 إلى 117 عام 2023. وكذلك فقد حصل تراجع في عدالة توزيع الدخل حسب مقياس معامل الجيني أو ما يسمى (Gini Coefficient).

موقف
التحديثات الحية

أما محافظ البنك المركزي الأردني د. عادل شركس فقد قدم رواية حسنة وأكثر إبهاجاً من شريكه وزير المالية د. محمد العسعس خلال المؤتمر الصحافي. لقد تبين من الإحصاءات النقدية أن الاحتياطي من العملات الأجنبية لدى البنك المركزي قد قفز إلى 19 مليار دولار. وبالدنانير الأردنية، ارتفع هذا الاحتياطي من حوالي 14.1 مليار دينار في شهر سبتمبر/ أيلول 2023 إلى ما يقارب 14.6 مليار دينار في آخر العام. وهذا يكفي لتغطية مستوردات الأردن لمدة ثمانية أشهر وزيادة، في وقت بلغت الودائع بالدولار لدى البنوك التجارية حوالي 10 مليارات دولار. وبذلك يبلغ مجموع موجودات الجهاز المصرفي الأردني من العملات الأجنبية حوالي 29 مليار دولار.

وبالطبع، فإن ارتفاع أسعار الفوائد قد ساهم في احتفاظ الأردنيين بالودائع بالدينار بسبب الهامش الذي يصل إلى حوالي أربع نقاط مئوية كفرق بين سعر الفائدة على الدولار وسعرها الأعلى على الدينار.

وكذلك حققت المصارف الأردنية خلال العام 2023 أرباحاً عالية نسبياً، ما يعكس استقراراً في وضع الجهاز المصرفي. في المقابل، فإننا لو نظرنا إلى عرض النقد في الأردن فقد بلغ حوالي 43 مليار دينار أردني (الدينار الأردني يساوي 1.4 دولار) في شهر فبراير/ شباط من العام 2024. ولو افترضنا أن هذا الرقم بقي على حاله حتى نهاية العام، وأن الناتج المحلي الإجمالي الجاري وصل كما هو مقدر إلى (53.6) مليارا، فإن سرعة دوران النقد تصل إلى 1.25، وهو رقم أفضل مما كان عليه سابقاً بنسبة قليلة، ولكنها تعكس انفراجاً ولو بسيطاً في أزمة السيولة. ولكن لو أخذنا مقياساً لعرض النقد أوسع من (M2) أو النقد المتداول والودائع تحت الطلب والتوفير، وأضفنا إليه بعض الحسابات النقدية، فإن سرعة تداول النقود سوف ترتفع أكثر.

إذن، نستطيع القول مما صرح به المسؤولان الاقتصاديان في الأردن إن الوضع الاقتصادي فيه يعكس توازناً واستقراراً من المنظور المالي والنقدي. ولكن هناك تحديات ما زال على الأردن أن يواجهها إذا أراد مكافحة العجوزات الواضحة في سوق العمل، وسوق السلع والخدمات، والعجوزات المتزايدة في مداخيل الأسر التي ترتفع عليها الأسعار بمعدل يقارب 2.7% عام 2023 مقابل حوالي 4.5% في العام الذي قبله.

وقد عقد المسؤولان مؤتمراً صحافياً ثانياً في نفس اليوم بمشاركة أحد المسؤولين من صندوق النقد الدولي والذي حضر إلى عمّان عاصمة الأردن من أجل إعداد تقرير وتوصيات عن المراجعة الاقتصادية للأردن دعماً لبرنامج التصحيح وإعادة الهيكلة الذي سيوقعه مع الصندوق بعد موافقة الجهات المسؤولة في الصندوق عليه. ويشمل هذا البرنامج تقديم (1.2) مليار دولار للمملكة على شكل قروض مُيسرة بهدف دعم برامج التصحيح والهيكلة في عمّان.

هذا المؤتمر الصحافي المذكور أتى بعد انتهاء بعثة الصندوق من إجراء المراجعة بشأن تسهيل الصندوق المُمدد (Extended Fund Facility or EFF) والذي وصف بأنه برنامج منطلق بقوة على الرغم من البيئة الخارجية الصعبة. وهذا أيضاً تقرير إيجابي يعزز سمعة الأردن، ويجعله أكثر جذباً للقروض التجسيرية وطويلة الأمد، خاصة وأن الأردن قد أقر مشروعه للتحديث الاقتصادي خلال السنوات العشر القادمة المنتهية عام 2033، والتي تهدف إلى جعل الاقتصاد الأردني أكثر اعتماداً على الذات، وأكثر إنتاجاً وإنتاجية، ومستعداً دائماً للاستجابة السريعة والفعالة لاحتواء الآثار السلبية الناجمة عن ظروف خارجية أو طارئة داخلية.

موقف
التحديثات الحية

ويكمن التحدي الأساسي للاقتصاد الأردني في القدرة على الحصول على تمويل يناهز 40 مليار دولار، وبمعدل أربعة مليارات سنوياً بأسعار العام 2023 من أجل أن يعيد الهيكلة الاقتصادية الإنتاجية، ويستكمل البنى التحتية والمرافق الأساسية، ويحل مشكلتي الطاقة والمياه والإنتاج الغذائي، ويوفر في نفس الوقت مائة ألف فرصة عمل سنوياً (أو مليون فرصة عمل) للشباب الأردني خلال مدة برنامج التحديث. وفي تقديري أن تشجيع الاستثمار في الأردن من قبل أهل الأردن والعرب والعالم يتطلب عدداً من الشروط التي يجب توفيرها من الآن بشكل مقنع.

أولى هذه الشروط تحقيق الاستقرار التشريعي بكل القوانين ذات التأثير على الاستثمار، بدءاً من الضرائب والرسوم وانتهاء باحترام العقود التي يوقعها المسؤولون الأردنيون مع المستثمرين. وهذا الأمر بدوره يتطلب تطويراً للقدرات التفاوضية للمسؤولين عن هذه الاستثمارات في الأردن، ووضوحاً في نصوص العقود بهدف تقليص احتمالات الخصومة معهم.

وكذلك لا بدّ من معالجة المشروعات القائمة والمتعثرة خاصة إذا كانت على شكل شركات مساهمة عامة، وهي الشركات التي تتداول في البورصة (سوق عمّان المالية). ولا يجوز أن يبقى عدد لا بأس به من هذه الشركات يتداول في البورصة عند نصف أسعار قيمها الاسمية. ولذلك يجب تحديث قانون الإعسار الاقتصادي، وتقليل الروتين. وبدون معالجة الخلل في الاستثمارات القائمة، فإن جذب الاستثمارات الجديدة يصبح صعباً.

أما الشرط الأخير المهم فهو محاربة أي شبهة فساد في أي مكان، وتقليل الروتين، وتحسين آلية اتخاذ القرار، ومعاقبة الجبناء الذين يخشون اتخاذ القرار، والفاسدين الراشين أو المرتشين، وتسهيل الإجراءات القضائية.

صحيح أن الاستقرار النقدي والمالي، وثقة العالم بمرونة الأردن وقدرته على مواجهة الظروف الخارجية بكفاءة أمران ضروريان، ولكنهما ليسا كافيين وحدهما لتحقيق رغبة الأردن في الوصول إلى أهدافه التنموية في ظل المناخ الاصلاحي الشامل الذي تبناه الملك عبدالله الثاني والذي يعتبر ثالوث التحديث الاقتصادي، والتطوير الإداري والمناخ السياسي الديمقراطي رزمة واحدة متكاملة.

المساهمون